لأخيه:{لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي}؛ لأنه لو كان حالقًا لما أراد أخوه الأخذ بلحيته. تبين لك من ذلك بإيضاح: أن إعفاء اللحية من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم. والعجب من الذين مسخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - كث اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم سورة. والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها: ليس فيهم حالق. نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقًّا، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.
أما الأحاديث النبوية الدالة على إعفاء اللحية، فلسنا بحاجة إلى ذكرها لشهرتها بين الناس، وكثرة الرسائل المؤلفة في ذلك. وقصدنا هنا أن نبين دليل ذلك من القرآن.
وإنما قال هرون لأخيه:{يَبْنَؤُمَّ} لأن قرابة الأم أشد عطفًا وحنانًا من قرابة الأب. وأصله: يابنؤمي بالإضافة إلى ياء المتكلم، ويطرد حذف الياء وإبدالها ألفًا وحذف الألف المبدلة منها كما هنا، وإلى ذلك أشار في الخلاصة بقوله:
وفتحٌ أو كسرٌ وحذفُ اليا استَمَرْ ... في يا ابن أُمَّ يا ابنَ عمَّ لا مفَرْ