{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما سمى الإنسان لأنه عهد إليه فنسى. رواه عنه ابن أبي حاتم اهـ. ولقد قال بعض الشعراء:
وما سُمِّي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا أنه يتقلَّب
أما على القول الأول فلا إشكال في قوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)}، وأما على الثاني ففيه إشكال معروف؛ لأن الناسي معذور فكيف يقال فيه: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)}. وأظهر أوجه الجواب عندي عن ذلك: أن آدم لم يكن معذورًا بالنسيان، وقد بينت في كتابي (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) الأدلة الدالة على أن العذر بالنسيان والخطإ والإكراه من خصائص هذه الأمة، كقوله هنا:{فَنسَى} مع قوله: {وَعَصَى} فأسند إليه النسيان والعصيان؛ فدل على أنه غير معذور بالنسيان. ومما يدل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الله: "نعم قد فعلت". فلو كان ذلك معفوًا عن جميع الأمم لما كان لذكره على سبيل الامتنان وتعظيم المنة عظيم موقع. ويستأنس لذلك بقوله:{كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} ويؤيد ذلك حديث: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". فقوله:"تجاوز لي عن أمتي" يدل على الاختصاص بأمته، وليس مفهوم لقب؛ لأن مناط التجاوز عن ذلك هو ما خصه الله به من التفضيل على غيره من الرسل. والحديث المذكور وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فله شواهد ثابتة في الكتاب والسنة. ولم يزل علماء الأمة قديمًا وحديثًا يتلقونه بالقبول. ومن الأدلة على ذلك