حديث طارق ابن شهاب المشهور في الذي دخل النار في ذبابٍ قرَّبه مع أنه مكره وصاحبه الذي امتنع من تقريب شيء للصنم ولو ذبابًا قتلوه. فدل ذلك على أن الذي قربه مكره؛ لأنه لو لم يقرب لقتلوه كما قتلوا صاحبه، ومع هذا دخل النار فلم يكن إكراهه عذرًا. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى عن أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (٢٠)} فقوله: {يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} دليل على الإكراه. وقوله: {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (٢٠)} دليل على عدم العذر بذلك الإكراه؛ كما أوضحنا ذلك في غير هذا الموضع.
واعلم أن في شرعنا ما يدل على نوع من التكليف بذلك في الجملة، كقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} الآية. فتحرير الرقبة هنا كفارة لذلك القتل خطأ. والكفارة تشعر بوجود الذنب في الجملة؛ كما يشير إلى ذلك قوله في كفارة القتل خطأ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٩٢)} فجعل صوم الشهرين بدلًا من العتق عند العجز عنه. وقوله بعد ذلك:{تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} يدل على أن هناك مؤاخذة في الجملة بذلك الخطإ، مع قوله:{وَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} وما قدمنا من حديث مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الله: "نعم قد فعلت"، فالمؤاخذة التي هي الإثم مرفوعة، والكفارة المذكورة قال بعض أهل العلم: هي بسبب التقصير في التحفظ والحذر من وقوع الخطإ والنسيان، والله جل وعلا أعلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)}