هو ونحوه من الآيات مستند من قال من أهل الأصول بعدم عصمة الأنبياء من الصغائر التي لا تتعلق بالتبليغ؛ لأنهم يتداركونها بالتوبة والإنابة إلى الله حتى تصير كأنها لم تكن.
واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما يتعلق بالتبليغ. واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ اختلافًا مشهورًا معروفًا في الأصول. ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يبلغوا بذلك درجة أعلا من درجة من لم يقع منه ذلك؛ كما قال هنا: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)} ثم أتبع ذلك بقوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَى (١٢٢)}.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)}، يدل على أن أبانا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس من الرسل الذين قال الله فيهم:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: هم جميع الرسل. وعن ابن عباس وقتادة {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)} أي لم نجد له صبرًا عن أكل الشجرة ومواظبة على التزامِ الأمر. وأقوال العلماء راجعة إلى هذا، والوجود في قوله:{وَلَمْ نَجِدْ} قال أبو حيان في البحر: يجوز أن يكون بمعنى العلم، ومفعولاه {لَهُ عَزْمًا (١١٥)} وأن يكون نقيض العدم؛ كأنه قال: وعدمنا له عزمًا. اهـ منه. والأول أظهر، والله تعالى أعلم.