كالقِسِيّ المعطَّفات بل الأسـ ... ـهمِ مَبريَّة، بل الأوتار
وبين "الأسهم والقسي المعطفات والأوتار" مناسبة في الرقة وإن كان بعضها أرق من بعض، وهي مناسبة لا بالتضاد. وكقول ابن رشيق:
أصحُّ وأقوى ما سمعناه في الندى ... من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديثُ ترويها السيول عن الحيا ... عن البحر عن كف الأمير تميم
فقد ناسب بين الصحة والقوة، والسماع والخبر المأثور، والأحاديث والرواية، وكذا ناسب بين السيل والحيا وهو المطر، والبحر وكف الأمير تميم. وكقول أسيد بن عنقاء الفزاري:
كأنَّ الثريا عُلِّقت في جبينه ... وفي خدِّه الشِّعرى وفي وجهه البدر
فقد ناسب بين الثريا والشعرى والبدر، كما ناسب بين الجبين والوجنة والوجه. وأمثلة هذا النوع كثيرة معروفة في فن البلاغة.
وإذا علمت هذا فاعلم: أنه جل وعلا ناسب في هذه الآية الكريمة في قوله: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨)} بين نفي الجوع المتضمن لنفي الحرارة الباطنية والألم الباطني الوجداني، وبين نفي العُري المتضمن لنفي الألم الظاهري من أذى الحر والبرد، وهي مناسبة لا بالتضاد. كما أنه تعالى ناسب في قوله: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)} نفي الظمأ المتضمن لنفي الألم الباطني الوجداني الذي يسببه الظمأ. وبين نفي الضَّحى المتضمن لنفي