العلماء خص ذلك بالمدينة دون غيرها؛ لحديث:"إن بالمدينة جنًا قد أسلموا". قالوا: ولا نعلم هل أسلم من جن غير المدينة أحد أو لا؛ قاله ابن نافع. ثم ذكر عن مالك النهي عن قتل جنان البيوت في جميع البلاد. ثم قال: وهو الصحيح؛ لأن الله عزَّ وجلَّ قال:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} الآية. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن"، وفيه: وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة. وسيأتي بكماله في سورة "الجن" إن شاء الله تعالى. وإذا ثبت هذا فلا يقتل شيء منها حتى يحرج عليه وينذر؛ على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
ثم قال: روى الأئمة عن أبي السائب مولى هشام بن زُهرة: أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكًا في عراجين ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إليَّ أن أجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذ عليك سلاحك، فإنني أخشى عليك قريظة"، فأخذ الرجلُ سلاحَه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى