للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يُدْرَى أيهما كان أسرع موتًا الحية أم الفتى. قال: فجئنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحيه لنا، فقال: "استغفروا لأخيكم" ثم قال: "إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان". وفي طريق أخرى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئًا منها فحرِّجوا عليها ثلاثًا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر" وقال لهم: "اذهبوا فادفنوا صاحبكم". ثم قال: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلمًا، وأن الجن قتلته به قصاصًا؛ لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض، وهذا الفتى لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة إذ لم يكن عنده علم من ذلك، وإنما قصد إلى قتل ما سُوِّغ قتل نوعه شرعًا، فهذا قتل خطأ ولا قصاص فيه. فالأولى أن يقال: إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عَدْوًا وانتقامًا. وقد قتلت سعد بن عبادة رضي الله عنه، وذلك أنه وجد ميتًا في مغتسله وقد اخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلًا يقول ولا يرون أحدًا:

قد قتلنا سيِّدَ الخز ... رج سعد بن عبادَه

ورميناه بِسَهميـ ... ـن فلم نُخْطِ فؤادَه

وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا" ليبين طريقًا يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم، ويتسلط به على قتل