وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من كون العمل وإن كان مثقال ذرة من خير أو شر أتى به جل وعلا؛ أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله عن لقمان مقررًا له: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَال حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)}، وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ} جمع ميزان. وظاهر القرآن تعدد الموازين لكل شخص، لقوله:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}، وقوله:{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} فظاهر القرآن يدل على أن للعامل الواحد موازين يوزن بكل واحد منها صنف من أعماله، كما قال الشاعر:
ملك تقوم الحادثات لعدله ... فلكل حادثة لها ميزان
والقاعدة المقررة في الأصول: أن ظاهر القرآن لا يجوز العدول عنه إلا بدليل يجب الرجوع إليه. وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه. وقد قدمنا في آخر سورة "الكهف" كلام العلماء في كيفية وزن الأعمال، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.