للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الحكم عام شامل على من سلك سبيلهم، واتصف بصفتهم، وهو سبحانه قد نبه عباده على نفس هذا الاستدلال، وتعدية هذا الخصوص إلى العموم، كما قال تعالى عقيب إخباره عن عقوبات الأمم المكذبة لرسلهم وما حل بهم: {أَكُفَّارُكُمْ خَيرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} ، فهذا محض تعدية الحكم إلى من عدا المذكورين بعموم العلة، وإلا فلو لم يكن حكم الشيء حكم مثله لما لزمت التعدية، ولا تمت الحجة. ومثل هذا قوله تعالى عقيب إخباره عن عقوبة قوم هود حين رأوا العارض في السماء: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}، فقال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)} ثم قال: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦)} فتأمل قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} تجد المعنى: أن حكمكم كحكمهم، وأنا إذا كنا قد أهلكناهم بمعصية رسولنا ولم يدفع عنهم ما مكنوا فيه من أسباب العيش. فأنتم كذلك تسوية بين المتماثلين. وأن هذا محض عدل الله بين عباده.

ومن ذلك قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠)} فأخبر أن حكم الشيء حكم مثله. وكذلك كل موضع أمر الله سبحانه فيه بالسير في الأرض سواء كان السير الحسِّي على الأقدام والدواب، أو السير المعنوي بالتفكير والاعتبار، أو كان اللفظ يعمهما وهو الصواب، فإنه يدل على الاعتبار والحذر أن يحل بالمخاطبين ما حل بأولئك،