فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} فهذه هي العلة المؤثرة والوصف الجامع، وقوله:{أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} هو الحكم، والذين من قبلهم الأصل، والمخاطبون الفرع.
قال عبد الرزاق في تفسيره: أنا معمر، عن الحسن في قوله:{فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ} قال: بدينهم؛ ويروى عن أبي هريرة.
وقال ابن عباس: استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا. وقال آخرون: بنصيبهم من الدنيا. وحقيقة الأمر: أن الخلاق هو النصيب والحظ، كأنه الذي خُلِق للإنسان وقُدِّر له، كما يقال: قَسْمه الذي قُسِم له، ونَصِيبه الذي نُصب له أي: أُثبت. وقِطُّه الذي قُطَّ له أي: قُطِع، ومنه قوله تعالى: {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (٢٠٠)} وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة". والآية تتناول ما ذكره السلف كله، فإنه سبحانه قال:{كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً} فبتلك القوة التي كانت فيهم كانوا يستطيعون أن يعملوا للدنيا والآخرة، وكذلك الأموال والأولاد، وتلك القوة والأموال والأولاد هي الخلاق، فاستمتعوا بقوتهم وأموالهم في الدنيا، ونفس الأعمال التي عملوها بهذه القوة من الخلاق الذي استمتعوا به. ولو أرادوا بذلك اللهَ والدارَ الآخرة لكان لهم خلاق في الآخرة، فتمتعهم بها أخذ حظوظهم العاجلة، وهذا حال من لم يعمل إلا لدنياه، سواء كان عمله من جنس العبادات أو غيرها. ثم ذكر سبحانه حال الفروع فقال:{فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ} فدل هذا على أن حكمهم