حكمهم، وأنهم ينالهم ما ينالهم؛ لأن حكم النظير حكم نظيره. ثم قال:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}. فقيل:"الذي" صفة لمصدر محذوف، أي: كالمخوض الذي خاضوا، وقيل: لموصوف محذوف؛ أي: كخوض القوم الذي خاضوا وهو فاعل الخوض. وقيل:"الذي" مصدرية كـ"ما"، أي كخوضهم. وقيل: هي موضع الذين. والمقصود أنه سبحانه جمع بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض بالباطل؛ لأن فساد الدين إما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به وهو الخوض، أو يقع بالعمل، بخلاف الحق والصواب وهو الاستمتاع بالخلاق. فالأول: البدع، والثاني: اتباع الهوى، وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء، وبهما كُذبت الرسل وعُصي الرب، ودُخِلت النار، وحَلَّت العقوبات.
فالأول من جهة الشبهات، والثاني من جهة الشهوات، ولهذا كان السلف يقولون: احذروا عن الناس صنفين: صاحب هوى فتَنَه هواه، وصاحب دنيا أعجبته دنياه. وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، فهذا يشبه المغضوب عليهم الذين يعلمون الحق ويعملون بخلافه، وهذا يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم.
وفي صفة الإمام أحمد رحمه الله: عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبه، أتته البدع فنفاها، والدنيا فأباها. وهذه حال أئمة المتقين، الذين وصفهم الله تعالى في كتابه بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} فبالصبر تُتْرك الشهوات، وباليقين تُدْفع الشبهات، كما قال تعالى: