وفي بعض المراسيل:"إن الله يحب البصرَ الناقد عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات". فقوله تعالى:{فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ} إشارة إلى اتباع الشهوات، وهو داء العصاة. وقوله:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} إشارة إلى الشبهات، وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات، وكثيرًا ما يجتمعان. فقلَّ من تجده فاسد الاعتقاد إلا وفساد اعتقاده يظهر في عمله. والمقصود أن الله أخبر أن في هذه الأمة من يستمتع بخلاقه كما استمتع الذين من قبله بخلاقهم، ويخوض كخوضهم، وأن لهم من الذم والوعيد كما للذين من قبلهم، ثم حضهم على القياس والاعتبار بمن قبلهم فقال: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠)} فتأمل صحة هذا القياس وإفادته لِمَا عُلِّق عليه من الحكم، وأن الأصل والفرع قد تساويا في المعنى الذي علق به العقاب، وأكَّده كما تقدم بضرب من الأوْلَى وهو شدة القوة وكثرة الأموال والأولاد، فإذا لم يتعذر على الله عقاب الأقوى منهم بذنبه فكيف يتعذر عليه عقاب من هو دونه؟!.
ومنه قوله تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} فهذا قياس جلي، يقول سبحانه: إن شئت أذهبتكم واستخلفت