للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}. فدل بالنظير على النظير، وقرب أحدهما من الآخر جدًا بلفظ الإخراج، أي: يخرجون من الأرض أحياء كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.

ومنه قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)} فبين سبحانه كيفية الخلق واختلاف أحوال الماء في الرحم إلى أن صار منه الزوجان الذكر والأنثى، وذلك أمارة وجود صانع قادر على ما يشاء، ونبه سبحانه عباده بما أحدثه في النطفة المهينة الحقيرة من الأطوار، وسوقها في مراتب الكمال، من مرتبة إلى مرتبة أعلى منها، حتى صارت بشرًا سويًّا في أحسن خلقة وتقويم، على أنه لا يحسن به أن يترك هذا البشر سدًى مهملًا معطلًا، لا يأمره ولا ينهاه، ولا يقيمه في عبوديته، وقد ساقه في مراتب الكمال من حين كان نطفة إلى أن صار بشرًا سويًّا، فكذلك يسوقه في مراتب كماله طبقًا بعد طبق، وحالًا بل حال، إلى أن يصير جاره في داره؛ يتمتع بأنواع النعيم، وينظر إلى وجهه، ويسمع كلامه". إلى آخر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى، فإنه أطال في ذكر الأمثلة على النحو المذكور، ولم نذكر جميع كلامه خوفًا من الإطالة المملة. وفيما ذكرنا من كلامه تنبيه على ما لم نذكره، وقد تكلم على قياس الشبه فقال فيه:

"وأما قياس الشبه فلم يحكه الله سبحانه إلا عن المبطلين؛ فمنه قوله تعالى إخبارًا عن إخوة يوسف أنهم قالوا لما وجدوا الصُّواع في رحل أخيهم: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} فلم