للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجمعوا بين الفرع والأصل بعلة ولا دليلها، وإنما ألحقوا أحدهما بالآخر من غير دليل جامع سوى مجرد الشبه الجامع بينه وبين يوسف، فقالوا هذا مقيس على أخيه بينهما شبه من وجوه عديدة، وذلك قد سرق فكذلك هذا، وهذا هو الجمع بالشبه الفارغ والقياس بالصورة المجردة عن العلة المقتضية للتساوي، وهو قياس فاسد، والتساوي في قرابة الأخوة ليس بعلة للتساوي في السرقة لو كان حقًّا، ولا دليل على التساوي فيها، فيكون الجمع لنوع شبهٍ خال من العلة ودليلها".

ثم ذكر رحمه الله لقياس الشبه الفاسد أمثلة أخرى في الآيات الدالة على أن الكفار كذبوا الرسل بقياس الشبه حيث شبهوهم بالبشر، وزعموا أن ذلك الشبه مانع من رسالتهم، كقوله تعالى عن الكفار أنهم قالوا: {مَا نَرَاكَ إلا بَشَرًا مِثْلَنَا}، وقوله تعالى عنهم: {مَا هَذَا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ} الآية. إلى غير ذلك من الآيات. فالمشابهة بين الرسل وغيرهم في كون الجميع بشرًا لا تقتضي المساواة بينهم في انتفاء الرسالة عنهم جميعًا، ولما قالوا للرسل: {مَا أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أجابوهم بقولهم: {إِنْ نَحْنُ إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}. وقياس الكفار الرسلَ على سائر البشر في عدم الرسالة قياس ظاهر البطلان؛ لأن الواقع من التخصيص والتفضيل، وجعل بعض البشر شريفًا وبعضه دنيًا، وبعضه مرءوسًا وبعضه رئيسًا، وبعضه ملكًا وبعضه سوقًا؛ يُبْطل هذا القياس؛ كما أشار إليه جواب الرسل المذكور آنفًا، يشير إليه قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا