وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)} وهذه الأمثلة من قياس الشبه ليس فيها وصف مناسب بالذات ولا بالتبع؛ فلذلك كانت باطلة.
ثم ذكر ابن القيم رحمه الله: أن جميع الأمثال في القرآن كلها قياسات شبه صحيحة؛ لأن حقيقة المثل تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما بالآخر. ثم سرد الأمثال القرآنية ذلك فيها واحدًا واحدًا، وأطال الكلام في ذلك فأجاد وأفاد.
وقال في آخر كلامه: قالوا فهذا بعض ما اشتمل عليه القرآن من التمثيل والقياس، والجمع والفرق، واعتبار العلل والمعاني وارتباطها بأحكامها تأثيرًا واستدلالًا. قالوا: وقد ضرب الله سبحانه الأمثال، وصرفها قدرًا وشرعًا، ويقظة ومنامًا، ودل عباده على الاعتبار بذلك؛ وعبورهم من الشيء إلى نظيره، واستدلالهم بالنظير على النظير؛ بل هذا أصل عبارة الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة، ونوع من أنواع الوحي؛ فإنها مبنية على القياس والتمثيل، واعتبار المعقول بالمحسوس.
ألا ترى أن الثياب في التأويل كالقميص تدل على الدين؛ فما كان فيها من طول أو قصر، أو نظافة أو دنس فهو في الدين؛ كما أول النبي - صلى الله عليه وسلم - القميص بالدين والعلم، والقدر المشترك بينهما أن كلًّا منهما يستر صاحبه ويجمله بين الناس.
ومن هذا تأويل اللبن بالفطرة لما في كل منهما من التغذية الموجبة للحياة وكمال النشأة، وأن الطفل إذا خلي وفطرته لم يعدل عن اللبن؛ فهو مفطور على إيثاره على ما سواه، وكذلك فطرة