ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سخر الجبال أي ذللها، وسخر الطير تسبح مع داود. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من تسخيره الطير، والجبال تسبح مع نبيه داود؛ بينه في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَينَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيرَ} الآية. وقوله:{أَوِّبِي مَعَهُ} أي: رَجِّعي معه التسبيح، {وَالطَّيرَ} أي: ونادينا الطير بمثل ذلك من ترجيع التسبيح معه. وقول من قال:{أَوِّبِي مَعَهُ}: أي سيري معه، وأن التأويب سير النهار؛ ساقط كما ترى. وكقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)}.
والتحقيق: أن تسبيح الجبال والطير مع داود المذكور تسبيح حقيقي؛ لأن الله جل وعلا يجعل لها إدراكات تسبح بها، يَعْلَمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها؛ كما قال:{وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، وقال تعالى:{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الآية، وقال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَينَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} الآية. وقد ثبت في صحيح البخاري: أن الجذع الذي كان يخطب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتقل عنه بالخطبة إلى المنبر سمع له حنين، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إني لأعرف حجرًا كان يسلم علي في مكة" وأمثال هذا كثيرة. والقاعدة المقررة عند العلماء: أن نصوص الكتاب والسنة