عمر إنما أوقع عليها الثلاث مجتمعة عقوبة لهم، مع أنه يعلم أن ذلك خلاف ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون في زمان أبي بكر - رضي الله عنه - فالظاهر عدم نهوضه؛ لأن عمر لا يسوغ له أن يحرم فرجا أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يصح منه أن يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيح ذلك الفرج بجواز الرجعة، ويتجرأ هو على منعه بالبينونة الكبرى، والله تعالى يقول:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية, ويقول {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)} ويقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} والمروي عن عمر في عقوبة من فعل ما لا يجوز من الطلاق هو التعزير الشرعي المعروف، كالضرب، أما تحريم المباح من الفروج فليس من أنواع التعزيرات؛ لأنه يفضي إلى حرمته على من أحله الله له، وإباحته لمن حرمه عليه؛ لأنه إن أكره على إبانتها وهي غير بائن في نفس الأمر لا تحل لغيره؛ لأن زوجها لم يبنها عن طيب نفس، وحكم الحاكم وفتواه لا يحل الحرام في نفس الأمر، ويدل له حديث أم سلمة المتفق عليه فإن فيه:"فمن قضيت له فلا يأخذ من حق أخيه شيئا، فكأنما أقطع له قطعة من نار" ويشير له قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} لأنه يفهم منه أنه لو لم يتركها اختيارا لقضائه وطره منها ما حلت لغيره.
وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه: وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء -أعني قول جابر: إنها كانت تفعل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر، قال ثم نهانا عمر عنها فانتهينا -فالراجح في الموضعين تحريم المتعة، وإيقاع الثلاث؛ للإجماع