وما ذكره في "الأنبياء": من أنه آتاه أهله ومثلهم معهم رحمة منه وذكرى لمن يعبده؛ بينه في "ص" في قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣)}، وقوله في "الأنبياء": {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)} مع قوله في "ص": {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣)} فيه الدلالة الواضحة على أن أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال، هم الذين يعبدون الله وحده ويطيعونه. وهذا يؤيد قول من قال من أهل العلم، إن من أوصى بشيء من ماله لأعقل الناس؛ أن تلك الوصية تُصْرف لأتقى الناس وأشدهم طاعة لله تعالى؛ لأنهم هم أولو الألباب؛ أي العقول الصحيحة السالمة من الاختلال.
تنبيه
في هذه الآيات المذكورة سؤال معروف، وهو أن يقال: إن قول أيوب المذكور في "الأنبياء" في قوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} وفي "ص" في قوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)} يدل على أنه ضجر من المرض فشكا منه؛ مع أن قوله تعالى عنه: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)} يدل على كمال صبره؟.
والجواب: أن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه، لا شكوى ولا جزع.
قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية