للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثاني: أن معنى: {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيهِ} لن نقضي عليه ذلك. وعليه فهو من القدر والقضاء. "وقَدِر" بالتخفيف تأتي بمعنى "قدر" المضعفة؛ ومنه قوله تعالى: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)} أي: قدره الله. ومنه قول الشاعر وأنشده ثعلب شاهدًا لذلك:

فليست عشياتُ الحمى برواجعٍ ... لنا أبدًا ما أورق السَّلم النضرُ

ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى ... تباركْتَ ما تَقْدِر يقع ولك الشكر

والعرب تقول: قدر الله لك الخير يَقْدِره قدرًا، كضرب يضرب، ونصر ينصر، بمعنى قدَّره لك تقديرًا؛ ومنه على أصح القولين "ليلة القدر"؛ لأن الله يقدر فيها الأشياء؛ كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)} والقَدَر بالفتح، والقَدْر بالسكون: ما يقدره الله من القضاء؛ ومنه قول هدبة بن الخشرم:

ألا يا لقومي للنوائب والقَدْر ... وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري

أما قول من قال: إن {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيهِ} من القدرة؛ فهو قول باطل بلا شك؛ لأن نبي الله يونس لا يشك في قدرة الله على كل شيء، كما لا يخفى.

وقوله في هذه الآية الكريمة: {مُغَاضِبًا} أي: في حال كونه مغاضبًا لقومه. ومعنى المفاعلة فيه: أنه أغضبهم بمفارقته وتخويفهم حلول العذاب بهم، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه، فأوعدهم بالعذاب. ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج؛ قاله أبو حيان في البحر. وقال أيضًا: وقيل معنى {مُغَاضِبًا} غضبان، وهو من المفاعلة التي