قتلنا المدْحَضين بكلِّ فجٍّ ... فقد قرَّت بقتلهم العيون
وقوله:{فَنَبَذْنَاهُ} أي: طرحناه، بأن أمرنا الحوت أن يلقيه بالساحل. والعراء: الصحراء. وقول من قال: العراء الفضاء أو المتسع من الأرض، أو المكان الخالي أو وجه الأرض؛ راجع إلى ذلك، ومنه قول الشاعر وهو رجل من خزاعة:
ورفعتُ رِجلًا لا أخاف عِثارها ... ونبذتُ بالبلد العراءِ ثيابي
وشجرة اليقطين: هي الدباء. وقوله:{وَهُوَ سَقِيمٌ} أي: مريض لما أصابه من التقام الحوت إياه، وقال تعالى في "القلم": {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠)} فقوله في آية "القلم" هذه: {إِذْ نَادَى} أي: نادى أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقوله:{وَهُوَ مَكْظُومٌ} أي مملوء غمًا، كما قال تعالى:{وَنَجَّينَاهُ مِنَ الْغَمِّ} وهو قول ابن عباس ومجاهد. وعن عطاء وأبي مالك: {مَكْظُومٌ (٤٨)}: مملوء كربًا. قال الماوردي: والفرق بين الغم والكرب: أن الغم في القلب، والكرب في الأنفاس. وقيل: {مَكْظُومٌ (٤٨)} محبوس. والكظم: الحبس؛ ومنه قولهم: كظم غيظه، أي حبس غضبه، قاله ابن بحر. وقيل: المكظوم المأخوذ بكظمه، وهو مجرى النفس، قاله المبرد. انتهى من القرطبي.
وآية "القلم" المذكورة تدل على أن نبي الله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عجل بالذهاب ومغاضبة قومه، ولم يصبر الصبر اللازم، بدليل قوله مخاطبًا نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيها:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} الآية. فإن أمره لنبينا - صلى الله عليه وسلم - بالصبر ونهيه إياه أن