وهذا المعنى واضح لا إشكال فيه. وقيل الزبور في الآية: زبور داود، والذكر: التوراة؛ وقيل غير ذلك. وأظهرها هو ما ذكرنا واختاره غير واحد.
واعلم أنا قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها قولان للعلماء، وكلاهما حق ويشهد له قرآن فنذكر الجميع؛ لأنه كله حق داخل في الآية. ومن ذلك هذه الآية الكريمة؛ لأن المراد بالأرض في قوله هنا: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)} فيه للعلماء وجهان:
الأول: أنها أرض الجنة يورثها الله يوم القيامة عباده الصالحين. وهذا القول يدل له قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤)} وقد قدمنا معنى إيراثهم الجنة مستوفى في سورة "مريم".
الثاني: أن المراد بالأرض: أرض العدو يورثها الله المؤمنين في الدنيا؛ ويدل لهذا قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرًا (٢٧)} , وقوله:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} الآية، وقوله تعالى: {قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨)}، وقوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية، وقوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} إلى غير ذلك من الآيات. وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير حمزة {فِي الزَّبُورِ}