وقرأه الباقون بتخفيف العين. ومما جرى من كلام العرب على نحو قراءة نافع، وابن ذكوان، وحفص قول بعض شعراء الحماسة:
قالت له عرسهُ يومًا لتُسْمعني ... مهلًا فإن لنا في أمِّنا أربا
ولو رأتني في نار مُسعَّرة ... ثم استطاعت لزادَت فوْقها حَطبا
إذ لا يخفى أن قوله: مسعرة اسم مفعول سعرت بالتضعيف، وبما ذكرنا يظهر أن أصل السعير فعيل بمعنى اسم المفعول، أي: النار المسعرة، أي: الموقدة إيقادًا شديدًا؛ لأنها بشدة الإِيقاد يزداد حرها عياذًا بالله منها، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل. وفي ذلك لغة ثالثة إلا أنها ليست في القرآن، وهي أسعر النار بصيغة أفعل، بمعنى أوقدها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)} يدل على أن الهدى كما أنه يستعمل في الإِرشاد والدلالة على الخير، يستعمل أيضًا في الدلالة على الشر؛ لأنه قال: {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)} ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣)} وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} الآية؛ لأن الإِمام هو من يقتدى به في هديه وإرشاده.
وإطلاق الهدى في الضلال كما ذكرنا أسلوب عربي معروف وكلام البلاغيين في مثل ذلك بأن فيه استعارة عنادية، وتقسيمهم العنادية إلى تهكمية وتلميحية معروف كما أشرنا إليه سابقًا.
وقوله تعالى: {كُلَّ شَيطَانٍ مَرِيدٍ (٣)} قد أوضحنا معنى الشيطان في سورة الحجر، والمريد والمارد في اللغة العربية العاتي، تقول: مرد الرجل بالضم يمرد، فهو مارد، ومريد إذا كان عاتيًا.