وذلك بعد أن يخلق الله المضغة عظامًا، ثم يكسو العظام لحمًا، ثم ينشئ ذلك الجنين خلقًا آخر، فيخرجه من بطن أمه في الوقت المعين لوضعه في حال كونه طفلًا، أي: ولدًا بشرًا سويًّا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} أي: لتبلغوا كمال قوتكم، وعقلكم، وتمييزكم بعد إخراجكم من بطون أمهاتكم في غاية الضعف، وعدم علم شيء.
وقد قدمنا أقوال العلماء في المراد بالأشد، وهل هو جمع، أو مفرد مع بعض الشواهد العربية في سورة الأنعام، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقوله تعالى في هذه الآية:{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} أي: ومنكم أيها الناس من يتوفى من قبل، أي: من قبل بلوغه أشده، ومنكم من ينسأ له في أجله، فيعمر حتى يهرم، فيرد من بعد شبابه وبلوغه غاية أشده إلى أرذل العمر، وهو الهرم، حتى يعود كهيئته في حال صباه من الضعف، وعدم العلم.
وقد أوضحنا كلام العلماء في أرذل العمر، ومعنى:{لِكَيلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيئًا} في سورة النحل، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من الاستدلال على كمال قدرته على بعث الناس بعد الموت، وعلى كل شيء ينقله الإِنسان من طور إلى طور، من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة إلى آخر الأطوار المذكورة، ذكره جل وعلا في مواضع من كتابه مبينًا أنه من البراهين القطعية على قدرته، على البعث وغيره.
فمن الآيات التي ذكر فيها ذلك من غير تفصيل لتلك الأطوار