قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)} وقوله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (١٤)} أي: طورًا بعد طور، كما بينا، وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)} وقوله في آية الزمر هذه {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}، أي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، فقد ركب تعالى عظام الإِنسان بعضها ببعض وكساها اللحم، وجعل فيها العروق والعصب، وفتح مجاري البول والغائط، وفتح العيون والآذان والأفواه، وفرق الأصابع وشد رؤوسها بالأظفار إلى غير ذلك من غرائب صنعه، وعجائبه، وكل هذا في تلك الظلمات الثلاث، لم يحتج إلى شق بطن أكره، وإزالة تلك الظلمات. سبحانه جل وعلا ما أعظم شأنه! وما أكمل قدرته! هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، ولأجل هذه الغرائب والعجائب من صنعه تعالى قال بعد التنبيه عليها: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)}.
ومن الآيات التي أوضح فيها تلك الأطوار على التفصيل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)} وقد ذكر تعالى تلك الأطوار مع حذف بعضها في قوله في سورة المؤمن: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا