ليمنع عنه نصر الله، فإنه لا يقدر على ذلك، ولا يذهب كيده ما يغيظه من نصر الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - .
ومما يشهد لهذا القول من القرآن قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (١٠) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحزَابِ (١١)}، وقد أوضحنا معنى هذه الآية في سورة الحجر.
ولبعض أهل العلم قول ثالث في معنى الآية الكريمة: وهو أن الضمير في: {لَنْ يَنْصُرَهُ} عائد إلى {مَنْ} في قوله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ} وأن النصر هنا بمعنى الرزق، وأن المعنى من كان يظن أن لن ينصره الله، أي: لن يرزقه، فليختنق، وليقتل نفسه، إذ لا خير في حياة ليس فيها رزق الله وعونه، أو فليختنق، وليمت غيظًا وغمًا، فإن ذلك لا يغير شيئًا مما قضاه الله وقدره. والذين قالوا هذا القول قالوا: إن العرب تسمى الرزق نصرًا. وعن أبي عبيدة قال: وقف علينا سائل من بني بكر، فقال: من ينصرني نصره الله، يعني: من يعطيني أعطاه الله. قالوا: ومن ذلك قول العرب: أرض منصورة، أي: ممطورة، ومنه قول رجل من بني فقعس:
وإنك لا تُعطي امرأً فوق حقِّه ... ولا تملك الشِّق الذي الغيث ناصره
أي: معطيه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وهذا القول الأخير ظاهر السقوط، كما ترى. والذين قالوا: إن الضمير في قوله: {أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ} راجع إلى الدين، أو الكتاب، لا يخالف قولهم قول من قال: إن الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن نصر الدين، والكتاب هو نصره - صلى الله عليه وسلم - كما لا يخفى، ونصر الله له - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا بإعلائه كلمته، وقهره أعداءه،