للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من أنواع عذاب أهل النار - أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل - جاء مبينًا في آيات أخر من كتاب الله، فقوله هنا: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَار} أي: قطع الله لهم من النار ثيابًا، وألبسهم إياها تتقد عليهم، كقوله فيهم: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} والسرابيل: هي الثياب التي هي القمص، كما قدمنا إيضاحه، وكقوله: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}: جمع غاشية: وهي غطاء كاللحاف، وذلك هو معنى قوله هنا: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}.

وقوله تعالى هنا: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩)} ذكره أيضًا في غير هذا الموضع كقوله: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)} والحميم: الماء البالغ شدة الحرارة، وكقوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوي الْوُجُوهَ} الآية.

وقوله هنا: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠)} أي: يذاب بذلك الحميم إذا سقوه فوصل إلى بطونهم كل ما في بطونهم من الشحم والأمعاء وغير ذلك، كقوله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)} والعرب تقول: صهرت الشيء فانصهر، فهو صهير، أي: أذبته فذاب، ومنه قول ابن أحمر يصف تغذية قطاة لفرخها في فلاة من الأرض:

تروي لقى ألْقي في صَفْصَفٍ ... تَصْهره الشَّمس فما يَنْصَهِرْ

أي: تذيبه الشمس، فيصبر على ذلك، ولا يذوب.

وقوله: {وَالْجُلُوُد (٢٠)} الظاهر أنَّه معطوف على "ما" من قوله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} التي هي نائب فاعل يصهر، وعلى هذا