قال بعض أهل العلم: من هم أن يعمل سيئة في مكة، أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همه بذلك وإن لم يفعلها، بخلاف غير الحرم المكي من البقاع، فلا يعاقب فيه بالهم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو أنَّ رجلًا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين، لأذاقه الله من العذال الأليم. وهذا ثابت عن ابن مسعود، ووقفه عليه أصح من رفعه.
والذين قالوا هذا القول استدلوا له بظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٥)} لأنه تعالى رتب إذاقة العذاب الأليم على إرادة الإِلحاد بالظلم فيه ترتيب الجزاء على شرطه، ويؤيد هذا قول بعض أهل العلم: إن الباء في قوله: بإِلحاد، لأجل أن الإِرادة مضمنة معنى الهم، أي: ومن يهمم فيه بإلحاد. وعلى هذا الذي قاله ابن مسعود وغيره فهذه الآية الكريمة مخصصة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :"ومن هم بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة" الحديث، وعليه فهذا التخصيص لشدة التغليظ في المخالفة في الحرم المكي، ووجه هذا ظاهر.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ويحتمل أن يكون معنى الإِرادة في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} العزم المصمم على ارتكاب الذنب فيه، والعزم المصمم على الذنب ذنب يعاقب عليه في جميع بقاع الله مكة وغيرها.
والدليل على أن إرادة الذنب إذا كانت عزمًا مصممًا عليه أنَّها كارتكابه حديث أبي بكرة الثابت في الصحيح: "إذا الْتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، قد عرفنا