والمعنوية: من الشرك والمعاصي، ولذا قال:{أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيئًا} وكانت قبيلة جرهم تضع عنده الأصنام تعبدها من دون الله، وقد قدمنا في سورة الإِسراء الكلام مستوفى فيما كان عند الكعبة من الأصنام عام الفتح، وطهرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنجاس الأوثان وأقذارها، كما أمر الله بذلك إبراهيم هنا، وقال لنبينا - صلى الله عليه وسلم - :{ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} الآية، والمراد بالطائفين في هذه الآية: الذين يطوفون حول البيت، والمراد بالقائمين، والركع السجود المصلون، أي: طهر بيتي للمعتبدين، بطواف، أو صلاة، والركع جمع راكع، والسجود جمع ساجد.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيئًا} لفظة "شيئًا" مفعول له {لَا تُشْرِكْ} أي: لا تشرك بي شيئًا من الشركاء كائنًا ما كان، ويحتمل أن تكون ما نال عن المطلق، من {لَا تُشْرِكْ}، أي: لا تشرك بي شيئًا من الشرك، لا قليلًا، ولا كثيرًا.
فالمعنى على هذا: لا تشرك بي شركًا قليلًا، ولا كثيرًا. وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص، وابن عامر في رواية هشام بيتي بفتح الياء، وقرأ باقي السبعة بإسكانها.
واعلم أن المؤرخين لهم كلام كثير في قصة بناء إبراهيم، وإسماعيل للبيت، ومن جملة ما يزعمون أن البيت الحرام رفعه الله إلى السماء أيام الطوفان، وأنه كان من ياقوتة حمراء، ودرج على ذلك ناظم عمود النسب فقال:
ودلَّت إبراهيم مزنةٌ عليه ... فهي على قدر المساحة تُريه
وقيل: دلَّته خجوجٌ كنست ... ما حولَه حتَّى بدا ما أسَّست
قَبْل الملائك من البناء ... قبل ارتفاعه إلى السماء