للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الآية دليل على وجوب الحج، وعلى قول الجمهور فوجوب الحج بها على هذه الأمة مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا، كما أوضحناه في سورة المائدة، مع أنَّه دلت آيات أخر على أن الإِيجاب المذكور على لسان إبراهيم وقع مثله أيضًا على لسان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالمِينَ (٩٧)} وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)}.

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: وقوله: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} الآية، قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيًا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبًا، لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم. وقال وكيع، عن أبي العميس، عن أبي حلحلة، عن محمد بن كعب، عن ابن عبَّاس قال: ما آسى على شيء إلَّا أني وددت أني كنت حججت ماشيًا؛ لأن الله يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا}.

والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبًا أفضل اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه حج راكبًا مع كمال قوته - صلى الله عليه وسلم - . انتهى منه.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: اعلم أنَّه قد تقرر في الأصول أن منشأ الخلاف في هذه المسألة التي هي: هل الركوب في الحج، أفضل، أو المشي؟ ونظائرها كون أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام:

القسم الأول: هو الفعل الجبلي المحض، أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، كالقيام، والقعود، والأكل،