بخلاف ذلك، وأن الحج واجب على من عادته السؤال إذا كانت العادة إعطاءه، ثم سرد كثيرًا من نقول علماء المالكية مصرحة بوجوب الحج عليه، وأهل هذا القول من علماء المالكية - وهم الأكثرون - وجهوه بأنه محمول على الفقير الذي يباح له السؤال، لعدم قدرته على كسب ما يعيش به، وأن ذلك السؤال لما كان جائزًا له، وصار عيشه منه في الحضر، فهو بذلك السؤال والإِعطاء قادر على الوصول إلى مكة. قالوا: ومن قدر على ذلك بوجه جائز لزمه الحج.
قال مقيده، عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي رجحانه بالدليل من قولي المالكية في هذه المسألة هو القول الأول، وهو أن الحج لا يجب على من يعيش في طريقه بتكفف الناس، وأن سؤال الناس لا يعد استطاعة.
ومن الأدلة الدالة على ذلك عموم قوله جل وعلا:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} الآية. وقد قدمنا في هذا الكتاب المبارك مرارًا: أن العبرة بعموم الألفاظ، لا بخصوص الأسباب، وبينا أدلة ذلك من السنَّة الصحيحة، فقد صرح تعالى في هذه الآية الكريمة برفع الحرج عن الذين لا يجدون ما ينفقون. ولا شك أن الذي يتكفف الناس لشدة فقره داخل في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون، وقد صرح تعالى بنفي الحرج عنهم، فيلزم من ذلك نفي الحرج عنه في وجب الحج، وهو واضح. وقد استدل الشيخ ابن القاسم رحمه الله بهذه الآية المذكورة على ما ذكرنا.
ولكن كثيرًا من متأخري علماء المالكية حملوا قول ابن القاسم