الذي احتج عليه بالآية المذكورة على من ليس عادته السؤال في بلده، قالوا: فلم يتناول قوله محل النزاع.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ظاهر الآية الكريمة العموم في جميع الذين لا يجدون ما ينفقون، فتخصيصها بمن ليس عادته السؤال، بدون دليل من كتاب، أو سنَّة لا يصح ولا يعول عليه. وقد تقرر في الأصول أنَّه لا يمكن تخصيص العام إلَّا بدليل يجب الرجوع إليه سواء كان من المخصصات المتصلة، أو المنفصلة.
ومما يؤيد هذا في الجملة ما ثبت في صحيح البخاري: حدَّثنا يحيى بن بشر، حدَّثنا شبابة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجُّون، ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا المدينة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ورواه ابن عيينة، عن عكرمة مرسلًا. انتهى من صحيح البخاري.
وقال ابن حجر في الفتح في الكلام على هذا الحديث: قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه: أن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافًا، فإن قوله:{فإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أي: تزودوا، واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإِثم في ذلك. انتهى محل الغرض منه.
وفيه دليل ظاهر: على حرمة خروج الإِنسان حاجًّا بلا زاد، ليسأل الناس، وظاهرها العموم في كل حاج يسأل الناس فقيرًا كان، أو غنيًّا، كانت عادته السؤال في بلده، أو لا. وحمل النصوص على ظواهرها واجب إلَّا بدليل يجب الرجوع إليه. ومما يؤيد هذا أن