وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} في سورة البقرة ما نصه: لأن آدم كان هو النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام حياته، بعد أن أهبط إلى الأرض، والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده، فغير جائز أن يكون معنيا وهو -الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} أي: رسل. اهـ. محل الحجة منه بلفظه. وفيه، وفي كلام ابن كثير المتقدم عن صحيح ابن حبان الصريح بأن آدم رسول، وهو مشكل مع ما ثبت في حديث الشفاعة المتفق عليه من أن نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أول الرسل، ويشهد له قوله تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} والظاهر أنه لا طريق للجمع إلا من وجهين:
الأول: أن آدم أرسل لزوجه وذريته في الجنة، ونوح أول رسول أرسل في الأرض، ويدل لهذا الجمع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما:"ويقول: ولكن ائتوا نوحا، فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض". الحديث فقوله: إلى أهل الأرض لو لم يرد به الاحتراز عن رسول بعث لغير أهل الأرض، لكان ذلك الكلام حشوا، بل يفهم من مفهوم مخالفته ما ذكرنا. ويُسْتأنس له بكلام ابن عطية الذي قدمنا نقل القرطبي له.
الوجه الثاني: أن آدم أرسل إلى ذريته، وهم على الفطرة لم يصدر منهم كفر فأطاعوه، ونوح هو أول رسول أرسل لقوم كافرين ينهاهم عن الإشراك بالله تعالى:{وَمَا كَانَ النَّاسُ إلا أُمَّةً وَاحِدَةً} الآية. أي: على الدين الحنيف، أي حتى كفر قوم نوح،