للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد اتضح لك من هذه الروايات الثابتة في الصحيح: أن إباحة ربا الفضل كانت زمن قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة مهاجرا، وأن الروايات المصرحة بالمنع صرحت به في يوم خيبر وبعده، فتصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم ربا الفضل بعد قدومه المدينة بنحو ست سنين وأكثر منها، يدل دلالة لا لبس فيها على النسخ، وعلى كل حال فالعبرة بالمتأخر، وقد كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث، وأيضا فالبراء، وزيد رضي الله عنهما كانا غير بالغين في وقت تحملهما الحديث المذكور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف الجماعة من الصحابة الذين رووا عنه تحريم ربا الفضل، فإنهم بالغون وقت التحمل، ورواية البالغ وقت التحمل أرجح من رواية من تحمل وهو صبي؛ للخلاف فيها دون رواية المتحمل بالغا، وسن البراء، وزيد وقت قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة، نحو عشر سنين؛ لما ذكره ابن عبد البر عن منصور بن سلمة الخزاعي أنه روى بإسناده إلى زيد بن حارثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استصغره يوم أحد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وأبا سعيد الخدري، وسعد بن حبته، وعبد الله بن عمر. وعن الواقدي أن أول غزوة شهداها الخندق، وممن قال: بأن حديث البراء وزيد منسوخ، راويه الحميدي. وناهيك به علما واطلاعا. وقول راوي الحديث: إنه منسوخ، في كونه يكفي في النسخ خلاف معروف عند أهل الأصول، وأكثر المالكية والشافعية لا يكفي عندهم.

فإن قيل: ما قدمتم من كون تحريم ربا الفضل واقعا بعد إباحته، يدل على النسخ في حديث البراء، وزيد، لعلم التاريخ فيهما، وأن حديث التحريم هو المتأخر، ولكن أين لكم معرفة ذلك