وإذا عرفت أقوال أهل العلم وحججهم في هذه المسألة فهذه مناقشة أقوالهم: اعلم أن المالكية، ومن وافقهم أجابوا عن حديث عائشة المذكور، بأجوبة:
منها: أنهم حملوه على أنه تطيب، ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإِحرام قالوا: ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى: "طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند إحرامه ثم طاف على نسائه، ثم أصبح محرمًا"، فظاهره أنه إنما تطيب لمباشرة نسائه، ثم زال بالغسل بعده، ولا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى، ولا يبقى مع ذلك طيب، ويكون قولها:"ثم أصبح ينضح طيبًا"، أي: قبل غسله. وقد سبق في رواية لمسلم: أن ذلك الطيب كان ذريرة، وهي مما يذهبه الغسل. قالوا: وقولها:، كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو محرم" المراد به: أثره، لا جرمه. قاله القاضي عياض. وقال ابن العربي: ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عين الطيب بقيت.
ومنها: أن ذلك التطيب خاص به - صلى الله عليه وسلم -.
ومنها: أن الدوام على الطيب بعد الإِحرام كابتداء الطيب في الإِحرام، بجامع الاستمتاع بريح الطيب في حال الإِحرام، في كل منهما. قالوا: ومما يؤيد أن ذلك التطيب خاص به - صلى الله عليه وسلم - أنه لو كان مشروعًا لعامة الناس لما أنكره عمر، وعثمان، وابن عمر مع علمهم بالمناسك وجلالتهم في الصحابة، ولم ينكر عليهم أحد إلا ما أنكرت عائشة على ابن عمر، ولَمَا أنكره الزهري، وعطاء مع علمهما بالمناسك.
ومنها: أن حديث عائشة المذكور يقتضي إباحة الطيب لمن