التوضيح بسقوط الفدية مطلقًا ولو أزال بسبب الحجامة شعرًا، له وجه من النظر. ولا يخلو عندي من قوة. واللَّه تعالى أعلم.
وإيضاح ذلك أن جميع الروايات المصرحة "بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم في رأسه" لم يرد في شيء منها أنه افتدى لإِزالة ذلك الشعر من أجل الحجامة، ولو وجبت عليه في ذلك الفدية، لبينها للناس؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
والاستدلال على وجوب الفدية في ذلك بعموم قوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} الآية، لا ينهض كل النهوض؛ لأن الآية واردة في حلق جميع الرأس، لا في حلق بعضه. وقد قدمنا أن حلق بعضه ليس فيه نص صريح.
ولذلك اختلف العلماء فيه، فذهب الشافعي: إلى أن الفدية تلزم بحلق ثلاث شعرات فصاعدًا. وذهب أحمد في إحدى الروايتين إلى ذلك، وفي الأخرى: إلى لزومها بأربع شعرات. وذهب أبو حنيفة: إلى لزومها بحلق الربع. وذهب مالك: إلى لزومها بحلق ما فيه ترفه، أو إماطة أذى. وهذا الاختلاف يدل على عدم النص الصريح في حلق بعض الرأس، فلا تتعين دلالة الآية على لزوم الفدية في من أزال شعرًا قليلًا، لأجل تمكن آلة الحجامة من موضع الوجع. واللَّه تعالى أعلم.
وممن قال بأن إزالة الشعر عن موضع الحجامة لا فدية فيه: محمد، وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة، بل قالا: في ذلك صدقة. وقد قدمنا مرارًا أن الصدقة عندهم نصف صاع من بر، أو صاع كامل من غيره، كتمر وشعير.