هذا لفظ مسلم في صحيحه، وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن الصناعة الواقعة في الذهب أو الفضة لا أثر لها، ولا تبيح المفاضلة بقدر قيمة الصناعة كما ذكرنا. وهذا هو المذهب الحق الذي لا شك فيه. وأجاز مالك بن أنس رحمه الله تعالى للمسافر أن يعطي دار الضرب نقدا وأجرة صياغته ويأخذ عنهما حليا قدر وزن النقد بدون الأجرة؛ لضرورة السفر كما أشار إليه خليل ابن أسحاق في مختصره بقوله:"بخلاف تبر يعطيه المسافر وأجرته دار الضرب ليأخذ زنته".
قال مقيده - عفا الله عنه -: الظاهر من نصوص السنة الصحيحة أن هذا لا يجوز لضرورة السفر، كما استظهر عدم جوازه ابن رشد، وإليه الإشارة بقول صاحب المختصر:"والأظهر خلافه" يعني: ولو اشتدت الحاجة إليه إلا لضرر يبيح الميتة، كما قرره شراح المختصر.
الفرع الخامس: اختلف الناس في الأوراق المتعامل بها هل يمنع الربا بينها وبين النقدين نظرا إلى أنها سند، وأن المبيع الفضة هي سند بها، فيمنع بيعها بالفضة، ولو يدا بيد، مثلا بمثل، ويمنع بيعها بالذهب أيضا ولو يدا بيد؛ لأنه صرف ذهب موجود، أو فضة موجودة بفضة غائبة، وإنما الموجود سند بها فقط، فيمنع فيها لعدم المناجزة؛ بسبب عدم حضور أحد النقدين، أو لا يمنع فيها شيء من ذلك؛ نظرا إلى أنها بمثابة عروض التجارة، فذهب كثير من المتأخرين إلى أنها كعروض التجارة، فيجوز الفضل، والنساء بينهما وبين الفضة والذهب، وممن أفتى بأنها كعروض التجارة