وإشعارها فيقلدها نعلين. ومعنى إشعارها: هو جرحها في صفحة سنامها، ويسلت الدم عنها. والجمهور على أن الإِشعار في صفحة السنام اليمنى، كما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس خلافًا لمالك القائل: إنه في الصفحة اليسرى.
واعلم: أن التحقيق أن الإِشعار المذكور سنة لثبوته - صلى الله عليه وسلم - خلافًا لأبي حنيفة القائل بالنهي عنه، معللًا بأنه مثلة وهي منهى عنها. وروي مثله عن النخعي، لأن الأحاديث الصحيحة الواردة بالإِشعار تخصص عموم النهي عن المثلة، ولأنه لا يسلم أنه مثلة، فهو جرح لمصلحة كالفصد والختان والحجامة والكي والوسم.
واعلم: أن الهدي من الغنم يسن تقليده عند عامة أهل العلم. وخالف مالك وأصحابه الجمهور. وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة "أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدي غنمًا فقلدها".
وقال بعض أهل العلم: لا يقلد بالنعال لضعفها، وإنما تقلد بنحو عرى القرب، ولا تشعر الغنم إجماعًا. والظاهر أن مالكًا لم يبلغه حديث تقليد الغنم، ولو بلغه لعمل به؛ لأنه صحيح متفق عليه، وإشعار البقر إن كان له سنام لا نص فيه. وقاسه جماعة من أهل العلم على إشعار الإِبل. والمقصود من الإِشعار والتقليد وتلطيخ الهدي بالدم، هو أن يعلم كل من رآه أنه هدي؛ لأنه قد يختلط بغيره، فإذا أشعر وقلد تميز عن غيره، وربما شرد فيعرف أنه هدي فيرد، وهذه العلة موجودة في البقر، فمقتضى القياس: إشعاره إن كان له سنام.
وقال بعض أهل العلم: الحكمة في تقليده النعلين أن المنتعل عندهم كالراكب، لكون النعل تقي صاحبها الأذى من الحر والبرد