ولذلك لما نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - البدنات قال: من شاء اقتطع. انتهى محل الغرض من المغني.
وأظهر القولين عندي: أنه لا تبرأ ذمته بذبحه: حتى يوصله إلى المستحقين؛ لأن المستحقين إن لم ينتفعوا به لا فرق عندهم بين ذبحه وبين بقائه حيًا؛ لأن الله تعالى يقول:{وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ويقول: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ} والآيتان تدلان على لزوم التفرقة، والتخلية بينه، وبين الفقراء يقتسمونه تفرقة ضمنية؛ لأن الإِذن لهم في ذلك، وهو متيسر لهم كإعطائهم إياه بالفعل. والعلم عند الله تعالى.
وقول من قال: إن الهدي المذكور إن تعيب في الطريق فعليه نحره، ونحر هدي آخر غير معيب لا يظهر كل الظهور، إذ لا موجب لتعدد الواجب عليه، وهو لم يجب عليه إلَّا واحد. وحجة من قال بذلك: أنه لما عينه متقربًا به إلى الله لا يحسن انتفاعه به بعد ذلك، ولو لم يجزئه.
وأما الواجب المعين بالنذر، كأن يقول: نذرت للَّه إهداء هذا الهدي المعين، فالظاهر أنه يتعين بالنذر، ولا يكون في ذمته، فإن عطب أو سرق لم يلزمه بدله؛ لأن حق الفقراء إنما تعلق بعينه، لا بذمة المهدي. والظاهر أنه ليس له الأكل منه، سواء عطب في الطريق أو بلغ محله.
وحاصل ما ذكرنا: راجع إلى أن ما عطب بالطريق من الهدي إن كان متعلقًا بذمته سليمًا فالظاهر أن له الأكل منه، والتصرف فيه؛ لأنه يلزمه بدله سليمًا. وقيل: يلزم الذي عطب والسليم معًا لفقراء الحرم، وأن ما تعلق الوجوب فيه بعين الهدي كالنذر المعين