واعلم: أن الهدي إن كان معينًا بالنذر من الأصل، بأن قال: نذرت إهداء هذا الهدي بعينه، أو معينًا تطوعًا، إذا رآه صاحبه في حالة يغلب على الظن أنه سيموت، فإنه تلزمه ذكاته، وإن فرط فيها حتى مات كان عليه ضمانه، لأنه كالوديعة عنده.
أما لو مات بغير تفريطه، أو ضل أو سرق، فليس عليه بدل عنه كما أوضحناه، لأنه لم يتعلق الحق بذمته، بل بعين الهدي.
والأظهر عندي إن لزمه بدله بتفريطه أنه يشتري هديًا مثله، وينحره بالحرم بدلًا عن الذي فرط فيه. وإن قيل بأنه يلزمه التصدق بقيمته على مساكين الحرم، فله وجه من النظر. واللَّه أعلم. ولا نص في ذلك.
ولنكتف بما ذكرنا هنا من أحكام الهدي، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ما يجوز الأكل منه، وما لا يجوز من الهدايا.
تنبيه
قد قدمنا في سورة البقرة: أن القرآن دل في موضعين على أن نحر الهدي قبل الحلق، والتقصير يوم النحر، وبينا أنه لو قدم الحلق على النحر لا شيء عليه، وأوضحنا ذلك في الكلام على قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.
والحاصل: أن الحاج مفردًا كان أو قارنًا أو متمتعًا إن رمي جمرة العقبة ونحر ما معه من الهدي: فعليه الحلق أو التقصير، وقد قدمنا أن التحقيق: أن الحلق نسك، وأنه أفضل من التقصير، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :"رحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله، والمقصرين. قال: رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين؟ فقال: والمقصرين"