في الرابعة، أو الثالثة كما تقدم إيضاحه. فدل دعاؤه للمحلقين بالرحمة مرارًا على أن الحلق نسك؛ لأنه لو لم يكن قربة للَّه تعالى لما استحق فاعله دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالرحمة. ودل تأخير الدعاء للمقصرين إلى الثالثة أو الرابعة أن التقصير مفضول، وأن الحلق أفضل منه، والتقصير مع كونه مفضولًا يجزئ بدلالة الكتاب، والسنة والإِجماع؛ لأن الله تعالى يقول:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وقد روى الشيخان، وغيرهما التقصير عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
فمن ذلك حديث جابر: أنه حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أهلوا بالحج مفردًا. فقال لهم: أحلوا من إحرامكم بطواف البيت، وبين الصفا والمروة، وقصروا. وفي الصحيحين عن ابن عمر قال:"حلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وحلق طائفة من أصحابه، وقصر بعضهم" وقد قدمنا حديث معاوية الثابت في الصحيحين، قال: قصرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص على المروة، وحديث:"رحم الله المحلقين" ثم قال بعد ذلك: "والمقصرين" إلى غير ذلك من الأحاديث.
وقد أجمع جميع علماء الأمة على أن التقصير مجزئ، ولكنهم اختلفوا في القدر الذي يكفي في الحلق والتقصير، فقال الشافعي، وأصحابه: يكفي فيهما حلق ثلاث شعرات فصاعدًا، أو تقصيرها؛ لأن ذلك يصدق عليه أنه حلق أو تقصير؛ لأن الثلاث جمع.
وقال أبو حنيفة: يكفي حلق ربع الرأس، أو تقصير ربعه بقدر الأنملة.
وقال مالك، وأحمد وأصحابهما: يجب حلق جميع الرأس، أو تقصير جميعه، ولا يلزمه في التقصير تتبع كل شعرة، بل يكفيه أن