يأخذ من جميع جوانب الرأس. وبعضهم يقول: يكفيه قدر الأنملة، والمالكية يقولون: يقصره إلى القرب من أصول الشعر.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر الأقوال عندي: أنه يلزم حلق جميع الرأس، أو تقصير جميعه، ولا يلزم تتبع كل شعرة في التقصير، لأن فيه مشقة كبيرة، بل يكفي تقصير جميع جوانب الرأس مجموعة أو مفرقة، وأنه لا يكفي الربع، ولا ثلاث شعرات خلافًا للحنفية والشافعية، لأن الله تعالى يقول {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} ولم يقل: بعض رؤوسكم {وَمُقَصِّرِينَ} أي: رؤوسكم؛ لدلالة ما ذكر قبله عليه. وظاهره حلق الجميع، أو تقصيره، ولا يجوز العدول عن ظاهر النص إلَّا لدليل يجب الرجوع إليه، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" فمن حلق الجميع أو قصره ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه. ومن اقتصر على ثلاث شعرات، أو على ربع الرأس لم يدع ما يريبه، إذ لا دليل يجب الرجوع إليه من كتاب، ولا سنَّة على الاكتفاء بواحد منهما، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حلق في حجة الوداع حلق جميع رأسه، وأعطى شعر رأسه لأبي طلحة ليفرقه على الناس. وفعله في الحلق بيان للنصوص الدالة على الحلق، كقوله:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} الآية. وقوله:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}.
وقد قدمنا أن فعله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان بيانًا لنص مجمل يقتضي وجوب حكم أن ذلك الفعل المبين لذلك النص المجمل واجب. ولا خلاف في ذلك بين من يعتد به من أهل الأصول.
تنبيه آخر
اعلم: أن محل كون الحلق أفضل من التقصير إنما هو بالنسبة إلى الرجال خاصة. أما النساء فليس عليهن حلق، وإنما عليهن التقصير.