وقال الشوكاني: في نيل الأوطار - بعد أن ساق الأحاديث، التي ذكرنا في عدم وجوب العمرة ما نصه - : قال الحافظ: ولا يصح من ذلك شيء، وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره، وهو محتج به عند الجمهور. ويؤيده ما عند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعًا "من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة، ومن مشى إلى صلاة غير مكتوبة، فأجره كعمرة" إلى أن قال: والحق عدم وجوب العمرة؛ لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلَّا بدليل يثبت به التكليف، ولا دليل يصلح لذلك، لا سيما مع اعتضاده بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب، ويؤيد ذلك اقتصاره - صلى الله عليه وسلم - على الحج في حديث "بني الإسلام على خمس" واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}. انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن ما احتج به كل واحد من الفريقين لا يقل عن درجة الحسن لغيره، فيجب الترجيح بينهما. وقد رأيت الشوكانى رجح عدم الوجوب بموافقته للبراءة الأصلية. والذي يظهر بمقتضى الصناعة الأصولية ترجيح أدلة الوجوب على أدلة عدم الوجوب، وذلك من ثلاثة أوجه.
الأول: أن أكثر أهل الأصول يرجحون الخبر الناقل عن الأصل على الخبر المبقي على البراءة الأصلية، وإليه الإِشارة بقول صاحب مراقي السعود في مبحث الترجيح باعتبار المدلول: