لأن معنى قوله:"وناقل" أن الخبر الناقل عن البراءة الأصلية مقدم على الخبر المبقي عليها. وعزاه في شرحه المسمى نشر البنود للجمهور، وهو المشهور عند أهل الأصول.
الثاني: أن جماعة من أهل الأصول رجحوا الخبر الدال على الوجوب على الخبر الدال على عدمه. ووجه ذلك: هو الاحتياط في الخروج من عهدة الطلب، وإليه الإِشارة بقول صاحب مراقي السعود المذكور آنفًا:
. . . . . . . . . ... . . . . . . ثم هذا الآخر
على إباحة. . . . . ... . . . . . . . . . . . إلخ
لأن مراده بالآخر المقدم على الإِباحة: هو الخبر الدال على الأمر، فالأول الدال على النهي؛ لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، ثم الدال على الأمر للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب، ثم الدال على الإِباحة ويشمل غير الواجب، فيدخل فيه المسنون والمندوب، لاشتراك الجميع في عدم العقاب على ترك الفعل.
الثالث: أنك إن عملت بقول من أوجبها فأديتها على سبيل الوجوب برئت ذمتك بإجماع أهل العلم من المطالبة بها، ولو مشيت على أنها غير واجبة فلم تؤدها على سبيل الوجوب بقيت مطالبًا بواجب على قول جمع كثير من العلماء. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ويقول: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وهذا المرجع راجع في الحقيقة لما قبله. والعلم عند الله تعالى.