وزعم لهم أنه هو الملك، وأنه لم يمت ولكنه تغيب عنهم؛ ليرى صنيعهم، وأمرهم أن يضربوا بينهم وبين الجثة حجابًا، وكان الشيطان يكلمهم من جثة الملك من وراء حجاب؛ لئلا يطلعوا على الحقيقة أنه ميت، ولم يزل بهم حتى كفروا باللَّه تعالى فبعث الله إليهم نبيًا اسمه: حنظلة بن صفوان يوحى إليه في النوم دون اليقظة، فأعلمهم أن الشيطان أضلهم، وأخبرهم أن ملكهم قد مات، ونهاهم عن الشرك باللَّه، ووعظهم ونصح لهم، وحذرهم عقاب ربهم، فقتلوا نبيهم المذكور في السوق، وطرحوه في بئر، فعند ذلك نزل بهم عقاب الله، فأصبحوا والبئر غار ماؤها، وتعطل رشاؤها، فصاحوا بأجمعهم، وضج النساء والصبيان حتى مات الجميع من العطش، وأن تلك البئر هي البئر المعطلة في هذه الآية = كله لا معول عليه؛ لأنه من جنس الإِسرائيليات، وظاهر القرآن يدل على خلافه؛ لأن قوله:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} معناه الإِخبار بأن عددًا كبيرًا من القرى أهلكهم الله بظلمهم، وأن كثيرًا من آبارهم بقيت معطلة بهلاك أهلها، وأن كثيرًا من القصور المشيدة بقيت بعد هلاك أهلها بدونهم؛ لأن مميز "كأين" وإن كان لفظه مفردًا فمعناه يشمل عددًا كثيرًا، كما هو معلوم في محله.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: وعن الإِمام أبي القاسم الأنصاري قال: رأيت قبر صالح بالشام في بلدة يقال لها: عكا، فكيف يكون بحضرموت. ومعلوم أن ديار قوم صالح التي أهلكوا فيها معروفة يمر بها الذاهب من المدينة إلى الشام. وقد قدمنا في سورة الحجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بها في طريقه إلى تبوك في غزوة تبوك. ومن المستبعد أن يقطع صالح، ومن آمن من قومه هذه المسافة الطويلة