للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحسبون المسلمين سفهاء لا عقول لهم، حيث ارتكبوا أمرًا غير الحزم والصواب، وهو اتباع دين الإِسلام في زعمهم، كما قال تعالى عن إخوانهم المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} الآية.

وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا}.

اعلم أولًا: أن السعي يطلق على العمل في الأمر لإِفساده وإصلاحه، ومن استعماله في الإِفساد قوله تعالى: {سَعَوْا فِي آيَاتِنَا} أي: سعوا في إبطالها، وتكذيبها بقولهم: إنها سحر وشعر وكهانة وأساطير الأولين، ونحو ذلك. ومن إطلاق السعي في الفساد أيضًا قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} الآية. ومن إطلاق السعي في العمل للإِصلاح قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)} وقوله: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩)} الآية إلى غير ذلك من الآيات.

ومن إطلاق السعي على الخير والشر معًا قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)} إلى قوله: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (١١)}.

وهذه الآية التي ذكرناها هنا في سورة الحج التي هي قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٥١)} جاء معناها واضحًا في سورة سبأ في قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥)} فالعذاب من الرجز الأليم المذكور في سبأ هو عذاب الجحيم المذكور في الحج.