للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطريقة الثانية: هي التي ذكرناها آنفًا عن الزجاج أن معنى (معاجزين) ظانين أنهم يعجزون ربهم، فلا يقدر عليهم؛ لزعمهم أنه لا يقدر على بعثهم بعد الموت، كما قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} وكما قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} وقال تعالى عنهم إنهم قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩)} {وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥)} وعلى هذا القول فالكفار معاجزين الله في زعمهم الباطل.

وقد بين تعالى في آيات كثيرة أن زعمهم هذا كاذب، وأنهم لا يعجزون ربهم بحال، كقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (٢)} وقوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)} وقوله: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} الآية، وقوله تعالى في الجن: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (١٢)} إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا أن مما يوضح هذا الوجه الأخير قول كعب بن مالك رضي الله عنه:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب

ومراده بسخينة قريش. يعني أنهم يحاولون غلبة ربهم، واللَّه غالبهم بلا شك. والوجه الأول أظهر.

وأما على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو: (معجزين) بكسر الجيم المشددة، بلا ألف، فالأظهر أن المعنى معجزين، أي: مثبطين من أراد الدخول في الإِيمان عن الدخول فيه، وقيل: معجزين من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعنى ذلك: أنهم ينسبونهم إلى العجز من قولهم: عجزه بالتضعيف إذا نسبه إلى العجز الذي هو ضد الحزم، يعنون أنهم