وقال الشوكاني في هذه القصة: ولم يصح شيء من هذا، ولا يثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله، كقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤)} الآية، وقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)} الآية. وقوله: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤)} فنفى المقاربة للركون فضلًا عن الركون، ثم ذكر الشوكاني عن البزار أنها لا تروى بإسناد متصل، وعن البيهقي أنه قال: هي غير ثابتة من جهة النقل، وذكر عن إمام الأئمة ابن خزيمة: أن هذه القصة من وضع الزنادقة.
وأبطلها ابن العربي المالكي، والفخر الرازي، وجماعات كثيرة.
وقراءته - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم وسجود المشركين ثابت في الصحيح، ولم يذكر فيه شيء من قصة الغرانيق. وعلى هذا القول الصحيح وهو أنها باطلة فلا إشكال.
وأما على ثبوت القصة كما هو رأي الحافظ ابن حجر فإنه قال في فتح الباري: إن هذه القصة ثابتة بثلاثة أسانيد كلها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذلك من لا يحتج به؛ لاعتضاد بعضها ببعض؛ لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها، دل ذلك على أن لها أصلًا. فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة أحسنها، وأقربها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرتل السورة ترتيلًا تتخلله سكتات، فلما قرأ: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)} قال الشيطان لعنه الله محاكيًا لصوته: تلك الغرانيق العلى. . إلخ. فظن المشركون أن الصوت صوته - صلى الله عليه وسلم - ، وهو بريء من ذلك براءة الشمس من اللمس.