وقد أوضحنا هذه المسألة في رحلتنا إيضاحًا وافيًا، واختصرناها هنا، وفي كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب.
والحاصل: أن القرآن دل على بطلانها، ولم تثبت من جهة النقل، مع استحالة الإِلقاء على لسانه - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر شرعًا. ومن أثبتها نسب التلفظ بذلك الكفر للشيطان، فتبين أن نطق النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك الكفر ولو سهوًا مستحيل شرعًا، وقد دل القرآن على بطلانه، وهو باطل قطعًا على كل حال.
والغرانيق: الطير البيض المعروفة واحدها غرنوق كزنبور وفردوس، وفيه لغات غير ذلك. يزعمون أن الأصنام ترتفع إلى الله كالطير البيض، فتشفع عنده لعابديها، قبحهم الله ما أكفرهم، ونحن وإن ذكرنا أن قوله:{فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} يستأنس به لقول من قال: إن مفعول الإِلقاء المحذوف تقديره: ألقى الشيطان في قراءته ما ليس منها؛ لأن النسخ هنا هو النسخ اللغوي، ومعناه الإِبطال والإِزالة، من قولهم: نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الأثر. وهذا كأنه يدل على أن الله ينسخ شيئًا ألقاه الشيطان، ليس مما يقرؤه الرسول أو النبي. فالذي يظهر لنا أنه الصواب، وأن القرآن يدل عليه دلالة واضحة، وإن لم ينتبه له من تكلم على الآية من المفسرين: هو أن ما يلقيه الشيطان في قراءة النبي: الشكوك والوساوس المانعة من تصديقها وقبولها، كإلقائه عليهم أنها سحر أو شعر، أو أساطير الأولين، وأنها مفتراة على الله ليست منزلة من عنده.
والدليل على هذا المعنى: أن الله بين أن الحكمة في الإِلقاء المذكور امتحان الخلق؛ لأنه قال: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً