قوله - صلى الله عليه وسلم - :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" الحديث. فالغاية في الحديث مبينة للغاية في الآية؛ لأن خير ما يفسر به القرآن بعد القرآن السنة، ومنه بهذا المعنى قوله هنا:{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وقد جاءت الفتنة في موضع بمعنى الحجة، وهو قوله تعالى في الأنعام: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} أي: حجتهم كما هو الظاهر.
واعلم أن مرض القلب في القرآن يطلق على نوعين:
أحدهما: مرضه بالنفاق والشك والكفر، ومنه قوله تعالى في المنافقين:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} الآية، وقوله هنا:{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: كفر وشك.
والثاني: منهما إطلاق مرض القلب على ميله للفاحشة والزنى، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: ميل إلى الزنى ونحوه، والعرب تسمى انطواء القلب على الأمور الخبيثة: مرضًا، وذلك معروف في لغتهم. ومنه قول الأعشى:
حافظ للفرج راض بالتقى ... ليس ممن قلبه فيه مرض
وقوله هنا:{وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} قد بينا في سورة البقرة الآيات القرآنية الدالة على سبب قسوة القلوب في الكلام على قوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.
وآية الحج هذه تبين أن ما اشتهر على ألسنة أهل العلم من أن النبي هو من أوحي إليه وحي، ولم يؤمر بتبليغه، وأن الرسول هو النبي الذي أوحي إليه، وأمر بتبليغ ما أوحي إليه غير صحيح؛ لأن