التنبيه الثاني: إذا كانت جملة يقولون لا يصح أن تكون حالا لما ذكرنا، فما وجه إعرابها على القول بأن الواو عاطفة؟ .
الجواب -والله تعالى أعلم-: أنها معطوف بحرف محذوف، والعطف بالحرف المحذوف أجازه ابن مالك وجماعة من علماء العربية والتحقيق جوازه، وأنه ليس مختصا بضرورة الشعر كما زعمه بعض علماء العربية، والدليل على جوازه وقوعه في القرآن، وفي كلام العرب، فمن أمثلته في القرآن قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨)} الآية. فإنه معطوف بلا شك على قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢)} بالحرف المحذوف الذي هو الواو، ويدل له إثبات الواو في نظيره في قوله تعالى في سورة القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤)} الآية، وقوله تعالى في عبس: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠)} الآية.
وجعل بعض العلماء منه قوله تعالى:{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ} الآية. قال: يعني وقلت: بالعطف بواو محذوفة، وهو أحد احتمالات ذكرها ابن هشام في المغني. وجعل بعضهم منه:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} على قراءة فتح همزة إن قال: هو معطوف بحرف محذوف على قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي: وشهد أن الدين عند الله الإسلام، وهو أحد احتمالات ذكرها صاحب المغني أيضا. ومنه حديث "تصدق رجل من ديناره من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره" يعني ومن درهمه، ومن